الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

يطير الحمام .. يحط الكلام في رثاء" محمود درويش"



أمرّ بين مُوَدّعِيكَ لعلني
وجدتُ في عبراتهم حرفاً يضيئ السطر في نصّ الوداعْ
فوجدتُ "ريتا " ترتّب ليل فرقتنا
وتبكي نجمةً عرفتك في بيروت من وهج الشعاعْ
أتأخذني معك ؟؟ فأكون ثوبك في بلادٍ أنجبتك لتصرعك
ضاع يا "ريتا " الدليلُ ، كنجمةٍ في الصبح ضاعْ
أسير بين قصائدٍ لك لم تزل تمشي كنهرٍ يقطع الدرب الطويل
ويحمل الوطن الصغير بلا شراعْ
ألأجله ودّعت "ريتا "؟؟
ما الذي أغرى يديك لكي تكون سياج بستان الأمل؟؟
ألأجل أرضٍ دمّرتك وحوّلتك سماءَ من لا يبصرون سماءهم؟؟
هل عانقتكْ؟؟ هل أنزلتك عن السياج وضمّدتك وغسّلتك وقبّلتكْ؟؟
ستقول لا ... ونقول لك
هيتَ لك ..
يا من كلونِ حمامةٍ بيضاءَ قد غادرتنا ... ما أجملك
ما أجملك . . .
هكذا اعتادت فلسطينُ التحيةَ ، عندما كانت تراك مرابطا حول النوافذ مثلما
قمرٍ على الشرفة .. لا يدخل الغرفة
كلما جاءتك لاجئةً من الزمن الذي يغتالها في البيت قالت :
يا غيتارة الكلمات أخبرني عن الألفة ..
قمرٌ على الشرفة .. لا يدخل الغرفة
أخبرني عن الإنسان والإحسان والألحان والنسيان والذكرى
وأخبرني عن الميعاد ... أخبرني عن الصدفة
أخبرني عن اللاهوت والياقوتْ .. عن تفاحةٍ في البحر قد سمّيتها بيروتْ
هل سيظلّ يسكن في المحبة والسلام وصوت القبّرة طاغوتْ ؟؟
كيف سيقتلُ الطاغوتْ ..؟؟
أخبرني عن الإحساس هل ينمو كزيتوني؟؟
وهل سيموتْ ...
كأولادٍ أحبوني ؟؟
أخبرني وأنت الشاعر المرآة غازلني كمجنونِ
هل شاهدت في الدنيا سوادا لامعا كالليل منتشرا ومنتشيا بغير لون جدائلي؟؟
هل شاهدتَ أشرعةً تحرّك موجة البحر العظيمة ، والرياحَ ويمتطيها الرّعدُ
إلا في بياض أناملي؟؟
هل شاهدتَ في الدنيا كأشجاري؟ وأحجاري ؟ وأطياري ؟ وأنهاري ؟
وهل شاهدتَ أقدارا بلا قلبٍ كأقداري؟؟
فتجيبها ، وبصوتك الوحي المرنّم جملةً لوجيبها
.. الليل والنجم الذي يأوي إليه
وموجة البحر التي صعدت عليه
وكل ما في سحره أو ناظريه
و ما أتاه من الشعور وما لديه
الليل مخلوقٌ لوصفك .. وما حلمت بغير عطفك
ولا رضيت بنظرة الحسناء إلا من خلال جلال طرفك
قد أتيت لأجل خطفك فانزلي للأمنياتِ
أنا أتيت لظلّ عينيكِ بذاتي خارجا من كلّ ذاتي
عانقيني مرّةً إني وهبتُ لكِ حياتي ..
ورضيتُ أن تمضي سنيني واقفا في البرد أو في الشمس
أتلو الشّعرَ كي تستأنسي بالأغنياتِ
ولستُ أفهم ما السبب
أعدّي لي الأرض كي أستريح ... فإنّي عشقتكِ حتى التّعب
يا ساكن الكلمات والكلمات سيدةٌ تعيش لأجل ساكنها
ولا تتركه يترُكُها ويرحل عن أماكنها
وبعد الموت تنثره على الأشجار كي يزداد حبّ الزهر في أغصانها لهوىً رقدْ
هل من أحدْ ؟؟
يرتّل الأوطان ثانيةً لتخرج من تراب الأرض سنبلة الأبدْ؟؟
هل من أحدْ ؟؟
يرى ملامح وجه "صبرا" في تقاطع شارعين على جسدْ ؟
من سيمسك بالحمامة في دويّ القنبلة ؟؟
يا ساكن الكلمات قلّي
كيف تعرف مفردات السنبلة ؟ ، والتين والصابون والعسل المملّح
كيف تجعل بيت شعرٍ مرحلة ؟؟
أنا "أوديب" جئتك باكيا من حضن أمي
ومعقّدا من حب أمي
أيها القمر الذي قد غاب عن شرفات أمي
وتركتها بين الزمان وبين ظلمة ليلها تبكي عليكْ
إن رحلتَ إلى التراب فخذ حنانك في يديكْ
لا صوت بعدك يستثير أنوثة الأرض البهية ... ما لدينا لن يعادل ما لديكْ
فنم ،، سلامي كالحمامِ ... طار من وجع الكلامِ
كي يحطّ بمنكبيك ..
وسلامُنا لك في نشيدٍ حاق زهر اللوز وصفا
سوف نقرؤه عليك

أحذية الشعب

حين تسير على الأشواك

في أرضٍ كانت وتظل حريقا من حمم البركان

لا تكترث ولا تهتم

إذا كان حذاؤك مصنوعا في أمريكا أو إيران

وأنا لا أقصد تجريحا للحركات أو الإخوان

ولا أستخدم لفظ حذاءٍ قدحا في عرش السلطان

لكني وبكل بساطة … بالقسط أقيم الميزان

حين أرى شعبا مجروحا من أجل الأموال يهان

ومن دمه الطاهر يعتصر الراتب في هيئة إحسان

أو يُقتلُ آلافا حتى لا يخسر شخصٌ منصبه

أو يخسر في كسب رهان

حين أرى وطنا يرميه العالم في سخط الطوفان

بالقسط أقيم الميزان

لا شرفٌ في الدنيا أعظم للسلطة من أن تتحوّل نعلا في قدمِ الإنسان

لا يا سيدتي إلا الحب .. إما حلما أو كاملا



هل لديك حبيبةٌ:
هذا واقع لا أنتمي له لتربطني به علاقة حب
أنتمي كاملا لحلمٍ بعيد
وفيض انتمائي لثلاث شخصيات في الماضي
علي بن أبي طالب وغاليليو
وحبيبتي التي أحببتها حين ظننت الأرض مشاعا

ومتى تحب ؟
حين تخلص لي من أقاربي قطعة أرضٍ
أو أشتري واحدة أزورها كل جمعة
تكفي لأن أزرع فيها ما يكفيني وبقرتي والخمس دجاجات
والزهور والزيتون والنخلتان
ومساحة لقبري
وأجد فيها متسعا لأبني غرفة أربعة في أربعة
من أجل العبادة والنوم إذا خفت الوحوش
أطلي جدرانها والسقف بالأبيض
وأضع آية الكرسي على جدار
وقصائدي
وصورة كبيرة لابتسامة سلاف فواخرجي على الآخرين

أحبها كيف تبتسم عيناها …

وأما الأخير فنافذة كبيرة لأرى السماء
فيها مسجل … لموسيقى الغروب
وطاولة لأكتب … وسرير لأقرأ

وإن لم تحصل على هذا الحلم الكبير؟
أظن نهايتي بحريةً
سأنتظر حبيبتي في البحر
لكي أجرب الحب … ولو لساعات
على سفينة قديمة تطيل السفر

ولماذا لا تقاتل من أجل هذا الحلم؟
أخاف ثمنا أجهله … لستُ شجاعا بما فيه الكفاية

ولماذا لا تجربه على اليابسة ناقصا
لا يا سيدتي:
إلا الحب … إما حلما أو كاملا

آخرة الكون الآخر


مستمعا أصوات الصمت كأغنية من ألف شهاب
ويسافر في ضوء النهر الإسفلتيّ إلى المعنى
يحلف حتى يقنع نفسه أن عباب الكون سراب
مثل نهايته المجهولة نخلقها كي تجمعنا
بين الخوف وبين الرغبة يتحرر في الصدر عقاب
تتعلق كل الأفكار بخطافات الاستفهام على شجرٍ من وطن الحب
وتدق طبول الإيقاع
ترقص معه الريح كأنثى .. عاشقةٍ ساذجةٍ مثله
تعشق كل الرقص ولكن لا تعرف أسلوب الرقص
أترك نفسك للموسيقى
أبحرْ في عينيّ وحلّق في شعري وتمنّى صدري
قبلني مثل المجنون ولا تنتظر الطقس بتاتا
إصنع أنت جمال الطقس
هذا أجمل ما في الرقص
دع وحشا من وجعٍ فيك يطوقني ويعانقني ويحررني من وجع النقص
كن مثل زهور العباد تراقصني في طلب الشمس
يا ملك الحب المسكون بشيطان الخوف المسجون برغبة طفلٍ قَبِلَ اليأس

هذا العالم يرعبني ، خوفا خيّم فوق الظّل
تلمسني رعشات الكل
كيف تخاف من اللاشيء؟ كمن يمشي في ظلمة دربٍ يسمع فيه نباح كلاب
أخشى من أشرارٍ تسكن أوردة قلوب الأصحاب
أخشى من تاريخٍ يرمي ذاكرتي خلف الأبواب
أخشى من جهلٍ طربيّْ
يصنع “نيكوس” أغنية “البنت الشلبية ” بالتوزيعات الغربية
يرميه البعض بأقوالٍ يحتل الفكر العربيّ
هذا استعمارُ فكريّ والتفكير هو التكفير
باسم الله الحيّ كفاكم
من أعطاكم هذا الحقَّ لكي تنتحل اللهَ لحاكم وتبيعونه كلّ صباح
الله وسبحانك ربي ما أجمل وجهك في الليل
الله نشيدُ أسمعه مجتمعا في زهرة فلْ
.. سامحني يا رب الكلْ
أسمعه في صوت البلبل أو في طيران البلبل
أقرؤه في حب الناس وفي نجمة صبحٍ تذبل

الله وقد جلّ جلالك حين تأمّلتُ الشجرة
ونسيمُ ثلجيّ يلمس خدّي مخمور البشرة
الله وفي روحي أنت إذا صدقُ فيّ انتشرَ
الله وأنت الموسيقى منبعثا من صوت الصمت
الله وأنت الأشعار إذا خرجت من رحمِ الموتْ
الله وأنت العينان إذا ضحكت في وجه حبيبي
بقرنفل شفتيه حبيبي
والورد الفضيّ ضياؤه تتألق في خدّ حبيبي
والشّعر الخروب يذوب يجوب الليل ويفضح روحي
لأعانق لغتي العربية في كونٍ آخر بوضوحِ

فلا أشياء تعانقها ويذيبك حبّ الأشياء
تتمنى ضمّ الإسفلت بأضواءٍ تلمع في الماء
وعناق عمودٍ في الشارع شاركك غناءَ الأصداء
لكن جنونك محتومُ في الكلمات تصادقها
تتمنى عاشقةً مثلك لتعانقها حيث تشاء
وأين تشاء تفارقها
أنت كما الأصداف وحيدٌ .. لا أشياء تعانقها
وأراني مثلك أحيانا بل مثلك كلّ الأحيان
يا عاشق نسمتك الحبلى تحت الكينا في نيسان
لتقابل أوراق الزعتر وتشمّ رحيق النسيان
أنت كما الشنّار تخبئ أولادك أشعارا تحت الأشجار
لتمضي مقهورا .. تسبح في فلك الحرمان
أنت بعيدٌ … أنت بعيد
وجميلٌ جدا ووحيد .. أنت وحيدٌ كالإنسان
مذ دخل المعجمُ مملكةً واتّسخ بحكم السلطان
مذ خبّأت القلعة نورا يسري بضباب الأكوان
مذ صار الموطنُ تعريفا محدودا خلف القضبان
وقرارا لتقسّم أرضك وتقسّم روحك في آن
قالوا : موطنك الممتدّ تباعا من أرضِ جنين القسّامِ إلى أرض خليل الرحمن
وعلينا أن نحرس أمنك في مستوطنةٍ تحميك
لكي يجتاح الاستيطان
طبعا والفقراء رعاعٌ ومغولٌ وتتارٌ قتلةْ
لابد من السّور العازل كي يعزل حبّ الأوطان
… أنتم شعبٌ لا يصلح أن يشهد أُفقًا
… الأفقُ بأعينكم شِعرٌ يتحرر من كونه ورقًا
… ويصير سلاحا فتاكا أو قلب شهيدٍ أو نفقا
… لابدّ ستبقى منغلقا
موطنكم في ذاك الحزب وذاك التنظيم أو الحركة
موطنكم في لحية شيخٍ يمطر من أموال البركة
فقلتُ صحيحٌ : أيّ شيوخ العمّة أتبع ..؟؟
هم أكثر من وجع القلبِ طبولا تشتدُّ لكي تُقرَعْ
تعالوا : كي أخبركم شيئا عن وطني يا عالمُ فاسمع
وطني قلبٌ لا أكثر
وطني كلماتٌ أخرى

هو أول كونٍ أخضر
وطني أمكنةٌ تتزوّج فيها الأطيار بلا خوفٍ
وتصير طيورا أخرى

هو مشهدُ حقل الزعتر
وطني حريّة أسرى

وطني من أوّل منظر
يسكن في أجمل ذكرى

وطني يا ليلا أقمرْ
فامتلأت روحي شِعراً

وطني يا دمع المهجر
يا نسمة عشقٍ َسكرى

وطني يا صمتاً أكبر
أن تعزفه أوركسترا

هو طفلٌ مات ليكبر
وملوكٌ عاشت صغرى

وطني حرٌّ يتحرر
والحريّة في الفكرة

وطـني قـلـبٌ لا أكـثر .. وطـني كـلـمـاتٌ أخـرى
وطــني كــلماتٌ أخــرى

سادة الفتح القديم


يا سادتي … وطني ظلامٌ في ظلامٍ
لا تزيدونا ظلاما

يا سادة الفتح القديمِ لشيبكم نغضي احتراما

لكنّ أرضي لم تُحرّر وشيبكم ليس الحسامَ

يا سادتي عذرا … ولكنْ
ألفُ مجزرةٍ وقهرٌ دائمٌ
وتجاربٌ طالت وطالت
لم تدعنا ساذجين … ولم تدع فينا غلاما

إنّ كرسياً عجوزاً
لا يهمه أن يكون الحق في وطني حطاما
حلفتكم بالله قولوا … أين أصبحت الكرامة؟؟

بحثتُ عنها في الشوارع والمباني
وأعين الأطفال لم أعثر على شيءٍ سوى
قصصٍ تحوّم حول أبطالٍ قدامى

نعم نعيشُ على تراب بلادنا …
لكن زهر اللوز في زَهريةٍ يحيا مريضا
والليثُ في قفصٍ تعذبه السلامة

وطني ظلامٌ في ظلامٍ لا تزيدونا ظلاما

إننا في أرضنا وبكلّ صدقٍ
نعيش عيشتنا حراما

نتسوّل الأنفاس ممن نصبونا
على هلامِ عروشنا شعبا هلاما

لم نعد نخشى من الدنيا سوى بؤس السلامِ
فلا تزيدونا سلاما

إن موتاً في بلادي ليس نقطة ضعفنا
حتى نحاوره نَعاما

نحن ما زلنا كما كناّ … نرصّ حدود موطننا عِظاما

ونرفع راية الإقدام حتى تكون للدنيا علامة

نشتري خبزا معا …
ونفتدي وطنا معا …
… معا نعيش
… معا نموت
معا نرابط في المدارس والمساجد والكنائس والهوى
ومعا ستعرفنا القيامة

لم ننقسم يوما ولكن الشروط لكي يجيء الدعم أن نغدو انقساما

لا تزيدونا ظلاما …
لا تزيدونا كلاما … تزيدونا سلاما

” لم ينعقد خلّ على خلًّ كما سبابةٍ فوق الزنادِ عشيّ معركة الكرامة ” 1

فـــارس ســباعــنة

1 مظفر النواب - الخوازيق

عيون حنظلة


* كُتبتْ بمناسبة مرور ستين عاما على النكبة

في مثل هذا اليوم قد حدث الحدثْ
في مثل هذا اليوم قد هوت السماء على الجثثْ
كفّنت أجسادهم بالغيم فاتحةً
في دفتر التاريخ عصرا كاملا للموت في كفّ العبثْ
وسار ما بين العبادِ . . . يريد من حفر البلادِ
عيون أمه حنظلة
أو شَعرَ أمّه . . . ثوبها أو مشطها أو أي شيءٍ لم يجد
لم يجد زمنا أمامه
أو مكانا للإقامة
كأنما الدنيا قيامة ، أو غيومٌ في غيومٍ في غمامة
لم يفهم المعنى تماماً … … …
فالمعَاجِمُ لا تعرّف حزن لؤلؤةٍ تباع
وليس فيها أي معنى لانتصارات الضباع
ولم يجد للغدر راية
في أوج عقدة قصة بدأت ولم يعلم بدايتها روائيّ الرواية
هم قليلٌ من درَوا أن الحكاية عقدةٌ أصلا
وما كل هذا غير إعلان البداية

قد خاف منكم حنظلة
من غاسق الجهل المروّع في عيون التائهين وفوق جدران البيوت
لكنه ما خاف موتا هبّ فيه
وكلّ من لا يخشى موته لا يموتْ
والتفّ مسكينا عظيما نحوها
بكلّ حكمة قائد طفلٍ جريحٍ فــــي ســــكوتْ
يا قائد الحجر الذي تبعته كل عروبة الكلمات واتخذت أساسه
وعروبة الكلمات بحرٌ رائعٌ
من تحته آبارُ نفطٍ ، كلما نجمٌ أضاء على المياهِ
يلوّث النفط انعكاسه
يا أيها الطفل المقدّس مرسَلا
حجرا وحرفا للقداسة .. والتعاسة
يامن على كتفيك يصعد للجنان شهيدنا
ولمنصبٍ صوتٌ سينبح في السياسة
لقوائم الغرباء في فقر المخيّم يستضيفُك ،،، كي يضيفَكْ

عندما تسقط من الشجر المبارك فوق عشبٍ يبّسته الشمس ظلما
أينما يمّمت وجهك في البلاد ترى خريفَكْ

أينما حملتك ريحك لاجئا سترى
وجوها لا تحبكْ …
وتحسّ أن عيون طفلٍ كلما نظرت إليك تريد دوما أن تخيفَكْ

وكلما جنّت سماءٌ واستثارت أرضها
في أوج ضوضاء الرعود أراك كم تصغي حفيفك

كنتَ ترجو أن تذوب ببطنها
تسمّد قلب سيدةٍ تلوّح في عجينتها لكي تصنع رغيفَكْ
ليس لي ذنبٌ سوى أني انتميتُ للوزةٍ … لا تحبّ سوى العلوّ
هناك أعنف ما تكون الريح تقطع عندما تشربْ نزيفَكْ
يادهرُ يا ذلّ العزيز إذا تناساه الأقارب
قاربي في البحر طاح فهنتُ من رجوِ القوارب
وموطني كالضوء لاح وراح كالضوء الموارِب
أنا هاربٌ من كلّ شيءٍ وكلّ شيءٍ إليّ هاربْ
أنا الخيار الأولويّ لكي يعيش الكلّ تـجـرِبـة الـحـيـاة
وكي أموت من التجارِبْ
لكي تسيطر قوّة عظمى أموت
وكي يعيش النفط في الدنيا أموت
أموت من إطلاقِ “دولارٍ” للحيته ومن حفّ الشوارب
أنا هاربٌ من كلّ جشعٍ يروم في دمعي المآرب
أموت ظمآنا لتشربني المياه
وموطني ماء المشارب
تكفكف الدنيا دموعك ،
إن أصابت عين قلبك بالجفاف مؤرَّقَــةْ
وتحرق الدنيا همومك حين تشعل في حياتك كلّ عامٍ محرقةْ
فالمحارق محرقةْ … لكلّ شيءٍ محرقةْ …
ماعاد في قلبي ثقةْ
إن شمسا في الصباح تضيء ظلمات الليالي لا تُسمّى مشرقَة
إن حيّا جاء يدعو للسلام وللحمام وللوعود المرهقةْ
حتّى وإن لمعت عيونه ، لا تصدقه جروحي
، فليمت لأصدّقه
ما عاد في قلبي ثقة
ضقتَ من كثر الصفاتِ ..
وضقتَ من وجع النعوت
وصرتَ تطلب كلّ يومٍ أن تموت وكل من لا يخشى موته
ــــلا يـمــوت
بل يسمّى حنظلة
لا جروح تخيفني ..
من قسوة الأيام قلبي صار يجرح مصقلة
أنا السماء ، البرقُ في عيني طموحٌ وصوت رعدي صلصلَ
أنا راسخٌ في الأرض كالشجر القديم ، ولا أخاف المقصلة
إن اسمي حنظلة
لا شـــيء فــي تيــه الـقوارب رائعٌ كالـبوصـلـة
أنا هو النّــجــم الـقـديـــر…
وبعض أهلي في عتابٍ :
لا تقل أهلوك قد غدرو بشعبك إنه عيبٌ كبير
ياناس إن العيب أكبر أن نكون عمالقا ويذلنا ولدٌ حقير
قولو : لقد بيعت بلادي في مناقصة الخيانة
لا تقولو إننا شعبٌ صغير
لو كان يعلم كلّ تجار المواشي أن شاةً سوف تفهم في التجارة
لم يبع أحدٌ حلـيـبـا
لو تعلم الأزهار أن رحيقها وطنٌ … لما ذبلت
لتطرد من جلالتها غريبا
أو تبكّي القافية .. كم بكت لكِ قافية
لعلها يوما ستعلم ما بها وأظنها ستون عاما كافية …
سيعود في غدٍ الربيعُ ، وتسير أي حكومة في موطن الأزهار رغما حافية
لا احتيال ولا احتلال ولا اقتتال ولا اعتلال يهدّ فينا العافية
لم يكن يشرب كثيرا بيد أن الماء قد أبقاه حيا من مياهٍ صافية
لم يكن يأكل كثيرا ، لم يكن شرها ليطفو فوق ماء الموت
آخر ما تبقى من حطام بلادنا ، ومن العقود الطافية
وظلّ حنظلة العلامة
يشاهد الوطن الغريق
ويكتب الشّعر الغريق
ويرسم الدمع انتقاما أو … سلاما

فارس سباعنة